فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} إنَّ واسمها و{أُولَئِكَ} مبتدأ، و{يَرْجُونَ} خبره، والجملة خبر {إِنَّ}، وهو أحسنُ من كون {أُولَئكَ} بدلًا من {الّذِين}، و{يَرْجُون} خبر {إنَّ}.
وجيء بهذ الأوصاف الثَّلاثة مترتِّبةٌ على حسب الواقع، إذ الإيمان أولُ، ثم المهاجرة، ثم الجهاد.
وأفرد الإيمان بموصولٍ وحده؛ لأنَّه أصل الهجرة والجهاد، وجمع الهجرة، والجهاد في موصولٍ واحدٍ، لأنَّهما فرعان عنه، وأتى بخر {إنَّ} اسم إشارة؛ لأنَّه متضمِّنٌ للأوصاف السَّابقة.
وتكرير الموصول بالنِّسبة إلى الصِّفات، لا الذَّوات، فإنَّ الذَّوات متَّحدةٌ موصوفةٌ بالأوصاف الثَّلاثة، فهو من باب عطف بعض الصِّفات على بعض، والموصوف واحد.
ولا نقول: إنَّ تكرير الموصوف يدلُّ على تغير الذَّوات الموصوفة؛ لأنَّ الواقع كان كذلك.
وأتى ب {يَرجُونَ}؛ ليدَّ على التَّجدُّد وأنهم في كلِّ وقتٍ يحدثون رجاءً.
والمهاجرة: مفاعلةٌ من الهجر، وهي الانتقال من أرض إلى أرضٍ، وأصل الهجر التّرك.
والمجاهدة مفاعلةٌ من الجهد، وهو استخراج الوسع وبذل المجهود، والإجهاد: بذلُ المجهود في طلب المقصود، والرَّجاء: الطمع.
وقال الرّاغب: هو ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرَّةٌ، وقد يطلقُ على الخوف؛ وأنشد: الطويل:
إذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا ** وَخَالَفَهَا في بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ

أي: لم يَخَفْ، وقال تعالى: {لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [يونس: 7] أي: لا يخافون، وهل إطلاقه عليه بطريق الحقيقة، أو المجاز؟ فزعم قومٌ أنه حقيقةٌ، ويكون من الاشتراك اللَّفظي، وزعم قومٌ أنه من الأضداد، فهو اشتراكٌ لفظيّ أيضًا.
قال ابن عطيَّة: ولَيْسَ هَذَا بِجيّدٍ، يعني: أنَّ الرَّجاء والخوف ليسا بضدَّين إذ يمكن اجتماعهما، ولذلك قال الرَّاغِبُ بعد إنشاده البيت المتقدّم ووجْهُ ذلك: أنَّ الرَّجَاءَ والخوفَ يَتَلاَزَمَانِ، وقال ابن عطيَّة: والرَّجَاءُ أبدًا معه خوفٌ، كما أنَّ الخوف معه رَجَاءٌ.
وزعم قومٌ أنه مجازٌ للتلازم الّذي ذكرناه عن الرَّاغب وابن عطيَّة.
وأجاب الجاحظ عن البيت بأنَّ معناه لم يرج برء لسعها وزواله فالرَّجاء على بابه.
وأمَّا قوله: {لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [يونس: 7] أي لا يرجون ثواب لقائنا، فالرَّجاء أيضًا على بابه، قاله ابن عطيَّة.
وقال الأصمعيُّ: إذا اقترن الرَّجَاء بحرفِ النَّفي، كان بمعنى الخَوْفِ كهذا البيت والآية.
وفيه نظرٌ إذ النَّفي لا يغيِّر مدلولات الألفاظ.
والرَّجاء مقصود ناحية البئر، وحافَّاته من كل ناحيةٍ، وجاؤوا بقوام من النَّاس يخطُّون في قولهم بأعظم الرَّجَاء، فيقصرون، ولا يمدُّون، وكتبت رَحْمَة هنا بالتَّاء: إمَّا جريًا على لغة مَنْ يَقِفُ على تَاءِ التَّأْنِيث بالتَّاء، وإما اعتبارًا بحالها في الوصل، وهي في القرآن في سبعة مواضع، كتبتُ في الجميع تاءً، هنا وفي الأعراف:
{إِنَّ رَحْمَةَ الله} [آية: 56]، وفي هود: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ} [آية: 73]، وفي مريم: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [آية: 2]، وفي الرُّوم: {فانظر إلى آثَارِ رَحْمَةِ الله} [آية: 50]، وفي الزخرف: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [آية: 32]. اهـ. باختصار.

.فائدة في ذكر ورود الجهد في القرآن:

ورد الجهد في القرآن على معان:
الأَول: مجاهدة الكفَّار والمنافقين بالبرهان والحجّة {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبيرًا}.
الثانى: جهاد أَهل الضَّلالة بالسّيف والقتال {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ} {هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
الثالث: مجاهدة مع النفس {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}.
الرابع: مجاهدة مع الشيطان بالمخالفة طمعًا في الهداية {وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
الخامس: جهاد مع القلب لنيل الوصْل والقُرب {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}.
والحقّ أَن يقال: المجاهدة ثلاثة أَضرب: مجاهدة العدوّ الظَّاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النَّفْس. ويدخل الأَضرب الثلاثة في {وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} وفى الحديث: «جاهدوا أَهواءَكم كما تجاهدون أَعداءَكم» والمجاهدة تكون باليد واللِّسان. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «جاهدوا الكفَّار بأَيديكم وأَلسنتكم». اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: إنه تعالى إذا فتح باب الملكوت على قلب عبد من خواصه يريد آياته وكراماته، فإن اغتر بأحواله تعجب بكماله فيضل على حظوظ النفس ويبدل نعمة الله بموافقتها ورضاها فإن الله شديد العقاب بأن يغير أحواله ويسلب عنه كماله. {كان الناس أمة واحدة} على الحق وعلى الفطرة يوم الميثاق {وأنزل معهم الكتاب} الذي جف به القلم للسعادة أو الشقاوة كقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مكانها من الجنة أو النار» {وما اختلف} كل فريق إلا وقد أوتوا السعادة أو الشقاوة في حكم الله وقضائه، ولكن ما حصلت السعادة والشقاوة للفريقين إلا من بعد البينات وهي معاملاتهم فبها يتبين السعيد من الشقي وبالعكس، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع المآب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (219):

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الشراب مما أذن فيه في ليل الصيام وكان غالب شرابهم النبيذ من التمر والزبيب وكانت بلادهم حارة فكان ربما اشتد فكان عائقًا عن العبادة لاسيما الجهاد لأن السكران لا ينتفع به في رأي ولا بطش ولم يكن ضروريًا في إقامة البدن كالطعام آخر بيانه إلى أن فرغ مما هو أولى منه بالإعلام وختم الآيات المتخللة بينه وبين آيات الإذن بما بدأها به من الجهاد ونص فيها على أن فاعل أجد الجدّ وأمهات الأطايب من الجهاد وما ذكر معه في محل الرجاء للرحمة فاقتضى الحال السؤال: هل سألوا عن أهزل الهزل وأمهات الخبائث؟ فقال معلمًا بسؤالهم عنه مبينًا لما اقتضاه الحال من حلمه فيبقى ما عداه على الإباحة المحضة: {يسئلونك عن الخمر} الذي هو أحد ما غنمه عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه في سريته التي أنزلت الآيات السالفة بسببها. اهـ.

.مناسبة قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ} لما قبله:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما يذهب ضياء الروح وقوام البدن وذم النفقة فيهما اقتضى الحال السؤال عما يمدح الإنفاق فيه فقال عاطفًا على السؤال عن المقتضي لتبذير المال {ويسئلونك ماذا ينفقون} وأشعر تكرير السؤال عنها بتكرير الواردات المقتضية لذلك، فأنبأ ذلك بعظم شأنها لأنها أعظم دعائم الجهاد وساق ذلك سبحانه وتعالى على طريق العطف لأنه لما تقدم السؤال عنه والجواب في قوله: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين} [البقرة: 215]، منع من توقع سؤال آخر، وأما اليتامى والمحيض فلم يتقدم ما يوجب توقع السؤال عن السؤال عنهما أصلًا، وادعاء أن سبب العطف النزول جملة وسبب القطع النزول مفرقًا مع كونه غير شاف للغلة بعدم بيان الحكمة يرده ما ورد أن آخر آية نزلت {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} [البقرة: 281] وهي بالواو أخرجه البيهقي في الدلائل والواحدي من وجهين في مقدمة أسباب النزول وترجم لها البخاري في الصحيح ومن تتبع أسباب النزول وجد كثيرًا من ذلك. وقال الحرالي: في العطف إنباء بتأكد التلدد مرتين كما في قصة بني إسرائيل، لكن ربما تخوفت هذه الأمة من ثالثتها فوقع ضمهم عن السؤال في الثالثة لتقاصر ما يقع في هذه الأمة عما وقع في بني إسرائيل بوجه ما، وقال سبحانه وتعالى في الجواب: {قل العفو} وهو ما سمحت به النفس من غير كلفة قال: فكأنه ألزم النفس نفقة العفو وحرضها على نفقة ما تنازع فيه ولم يلزمها ذلك لئلا يشق عليها لما يريده بهذه الأمة من اليسر، فصار المنفق على ثلاث رتب: رتبة حق مفروض لابد منه وهي الصدقة المفروضة التي إمساكها هلكة في الدنيا والآخرة، وفي مقابلته عفو لا ينبغي الاستمساك به لسماح النفس بفساده فمن أمسكه تكلف إمساكه، وفيما بينهما ما تنازع النفس إمساكه فيقع لها المجاهدة في إنفاقه وهو متجرها الذي تشتري به الآخرة من دنياها «قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يحل لنا من أموال أزواجنا- تسأل عن الإنفاق منها، قال: الرُطْب- بضم الراء وسكون الطاء- تأكلينه وتهدينه» لأنه من العفو الذي يضر إمساكه بفساده؛ لأن الرطب هو ما إذا أبقي ين يوم إلى يوم تغير كالعنب والبطيخ وفي معناه الطبائخ وسائر الأشياء التي تتغير بمبيتها- انتهى. اهـ.

.اللغة:

{الخمر} المسكر من الأشربة سميت خمرا لأنها تستر العقل وتغطيه، وقولهم: خمرت الغناء أي غطيته.
{الميسر} القمار وأصله من اليسر لأنه كسب من غير كد ولا تعب، وقيل من اليسار لأنه سبب الغنى.
{إثم} الذنب وجمعه آثام، وتسمى الخمر بالإثم لأن شربها سبب في الإثم، قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي ** كذاك الإثم تذهب بالعقول

{العفو} الفضل والزيادة على الحاجة.
{أعنتكم} أوقعكم في الحرج والمشقة، وأصل العنت: المشقة.
{أمة} الأمة: المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة وجمعها إماء.
{المحيض} مصدر بمعنى الحيض، كالمعيش بمعنى العيش، وأصل الحيض: السيلان يقال: حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة أي سالت.
{حرث} الحرث: إلقاء البذر في الأرض قاله الراغب، وقال الجوهري: الحرث: الزرع، والحارث الزارع ومعنى حرث أي مزرع ومنبت للولد على سبيل التشبيه.
{عرضة} مانعًا وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو عرضة، ولهذا يقال للسحاب: عارض؛ لأنه يمنع رؤية الشمس.
{اللغو} الساقط الذي لا يعتد به سواء كان كلامًا أو غيره، ولغو الطائر: تصويته. اهـ.